لهذه الرواية قصة عجيبة، ففي عام 1963 تيقظت في وجداني أسطورة (بغلة العرش) التي كثيرًا ما كانت أمي تحكيها لي في الليل كلما سألتها: لماذا نحن فقراء مع أننا من أصل عريق؟ ولماذا بعض الناس أثرياء مع أنهم من أصل وضيع؟ وكانت هذه الأسطورة تفتن خيالي الطفل، وظلت تفننه وأنا كبير
على أنني في أواسط السبعينيات فوجئت بالأسطورة تغزو وجداني من جديد بإلحاح قوي وقد تجسدت في عالم من الأحداث والشخصيات الواقعية، ووجدتني أكتبها في مسرحية طويلة من قسمين، سلمتها لصديقي المخرج إميل جرجس ليخرجها لمسارح الثقافة الجماهيرية. وحينما شرع في التنفيذ استوقفته لأن أحد أصدقائي من مؤلفي المسرح قرأ المخطوطة وأشار ببعض تعديلات جوهرية تعطيها قوة، فركنت المسرحية منتويًا بالعودة إليها بعد حين لتعديلها. لكنني نسيتها تمامًا، وفي أول التسعينيات فوجئت بالأسطورة تنتعش بقوة أشد، أنعشها مناخ الفساد وانتشار الثروات الفاحشة والفقر المدقع معًا. فلما شرعت أقلبها تبينت أنها ذات طبيعة روائية صرفة، أو هكذا خيل لي بحكم تمرسي بفن الرواية سنوات طويلة فأصبحت أفكر بشكل روائي، حاولت نسيانها والانصراف إلى مشاريع معدة سلفًا ومستوية، لكنها كانت أقوى من النسيان، طغت على كل المشاريع، فما كدت أمسك بالقلم حتى تدفقت، لتجيء على هذا النحو، ويخيل لي أنها كتبت نفسها بنفسها، فإذا كنت قد وفقت فالفضل يرجع لقوة الأسطورة وتجذرها في الواقع المصري